نيران الإنتظار تشتعل في قلبي وقلب أبي، نترقب مرور<br>الدقائق أمام غرفة العمليات في الطابق الثالث، لا يهمنا وهن الأرجل ووجل<br>النفوس، نتلهف لصوت عطوف يروي ظمأ النبضات وخبر عاجل يطفئ فزع النظرات.<br><br><br> لحظات صعبة تمرّ برتابة قاتلة، ثواني حرجة تتسارع بكثرة<br>الداخلين والخارجين لجناح العمليات، أفكارنا مشدودة نحو رأس أمي الممدد<br>بعيدا بين مشارط الجراحين، لم يقطع هذه الأفكار عدا اتصالات أختي "<br>غالية"، البعيدة عنا بجسدها الالآف الأميال ...الحاضرة معنا بقلبها في هذه<br>اللحظات.<br><br><br><br><br><br>تتلبد السماء بالغيوم، غمغمات الرعد تداعب زفراتي، أسرق نظرة<br>خاطفة عبر النافذة وأنا أسأل نفسي: ماذا يجري هناك برأس أمي الطاهر؟،<br>تتنامى في داخلي الظنون، تحثني على اقتحام المكان لأخوض معها هذه الرحلة،<br>لكن هيبة المكان تقيدني، كم أبهرتني شجاعة " أمي " وصرامة موقفها؟ ..لازلت<br>أتذكر ابتسامتها الدائمة التي أحيت نبضاتي ونحن في طريقنا لغرفة العمليات.<br><br><br><br><br>يتسلل الهدوء إلى المكان، قلوبنا ترتعد، تصارع الهواجس في<br>ظلمات الغربة، تصطدم بوحشة الوحدة بين جنبات المستشفى الامريكي وسط "<br>بانكوك"، تنبعث من ممراته الواسعة أدخنة الوجع ونيران اللهفة لترسم بخاطري<br>جملة أفكار مشتتة:<br><br><br><br><br>لماذا كل هذه المخاطرة؟ لماذا قطعنا كل هذه المسافات؟ لماذا<br>نحن هاهنا؟ أهو الأمان المفقود في مستشفياتنا؟ وما الذي قذف بنا نحو الطرق<br>الموحشة؟ هل هي الثقة التي نزعت من نفوسنا بعدما أجهدنا التعب ونحن نبحث<br>عن علاج؟ أم إن اقوال من انحلت عللهم هي من قادتنا إلى صقيع الغربة؟<br><br><br><br><br>يتوقف شرودي الطويل، أهرب قليلا من صراع الأفكار وحرب<br>الهواجس، أتلمس وجهي الممتلئ بالشعر، وأحك عيني التي تشتاق للنوم وهي تئن<br>تحت وطأة الحيرة، أشيح ببصري بعيدا، قطرات المطر تتساقط بغزارة على الزجاج<br>المقابل للممر، كأنها تشاركني عمق الجراحات ..كأنها تطفئ لهيب الآلام،<br>ليتفائل قلب أبي ويلهج لسانه بالدعاء وسط المكان الذي يعج بتماثيل بوذا.<br><br><br><br><br>تتلاطم صور متنافرة في ذاكرتي، يختل توازني، أتوق لحـضن أمي،<br>أتمنى قرض الباب بأسناني حتى أدنو من رأسها فأمسح العرق الساقط من جبينها،<br>يخفت ويعلو أنين أطفالها الأربعة..هناك بعيدا في مسقط، ينتظرونها بفارغ<br>الصبر، ها هي روائح الصمت تنتشر بين جدران الغرف، تشدني خطوات أبي التي<br>كانت تجوب الممر، لماذا توقفت فجأة؟ أين تمتماته؟ أين توسلاته بالله<br>...لقد هيجت أحشاء قلبي الراكدة.<br><br><br><br><br> أتأمل والدي... كهل في نهاية الخمسينات من عمره، أغوص في<br>أعماقه السحيقة، يتضخم شيئا في وجهه، أتحسس الألم بداخله، تختلط أحاسيس<br>قلبه وتتزاحم الذكريات في عقله، شريكة حياته في خطر وكأنه يعيش اللحظات<br>معها ثانية بثانية، تبوح شفتاه ببعض كلمات غير مفهومة، تسيل الدموع من<br>عينيه، يصعقني المشهد، وتضاجعني الجروح، يدك المطر الزجاج بقوة ..أرتعش من<br>وحشة البرد وقسوة المنظر، تدفعني دموعه للهروب سريعا من كآبة المكان حتى<br>لا ينكشف لي ضعفه القاتل.<br><br><br><br><br>تتزايد نبضات قلبي، يلتهم بكاء أبي شجاعتي، تتلعثم الحروف،<br>ويتصاعد فوران الدم في دماغي..أخطو خطواتي بدون انتباه، أبحث عن مكان يأوي<br>هروبي، أريد اخفاء وجعي، لعلي أعصر قهري ..لعلي أغسل همي، مشيتي تتخللها<br>ذكريات جميلة، لأجد نفسي بعد دقائق عدة أركن إلى كرسي قصي في أحد الزوايا<br>البعيدة في حديقة المستشفى.<br><br><br><br><br>أغمض عيناي، وأنكفأ على نفسي، لتمر صور أمي على ذاكرتي<br>البعيدة، تنساب دموعي، أتساءل: كيف سأعيش في بيتا لن تكوني فيه؟ كيف<br>سأتنفس هواء الحياة بدونك؟ من للصغار بعدك؟<br><br><br><br><br>أرفع رأسي بعدما سافرت في ظلمة أوجاعي، أتأمل المكان الغريب،<br>أنظر إلى النوافذ البعيدة والطوابق العليا، تهاجمني الأفكار من جديد، هل<br>اقتلع الجراحين الأفعى الساكنة في دماغ أمي؟ وما هذا الماء الذي تغرق به<br>دشداشتي؟<br><br><br><br><br>يداي ترتعشان، أزيح جبال الهموم من كاهلي، أهرول ...أركض،<br>أنادي: أمي...أبي، أتخبط في مشتي، كأني أتوسل العطف، وجوه الناس تتصفح<br>يأسي، اجتاز الأماكن والصور والملامح لأصطدم أخيرا بوجه ابي ورطوبة دموعه<br>التي لم تجف، يفضحني الخجل من دموعه ليبادرني بسؤال حزين: أين أنت؟ لماذا<br>تركتني وحيدا؟<br><br><br><br><br><br><br>تراودنا أحاسيس مختلطة، يطول الصمت، في اثناء ذلك يخفق قلبي<br>لرؤية الجراح وهو يخرج من الباب، ترتسم ابتسامة على وجهه لتبشرنا بنجاح<br>العملية، أتأمل صورة الورم الملونة، هالة من الأمان تلفني وتلف أبي..تنتعش<br>الأحاسيس، وتنتشر بذور الحياة في كامل عروقي، أرفع يداي إلى السماء<br>مبتهلا: شكرا يا الله، تنفرج أسارير وجه أبي بعدما خطف الخوف<br>تفكيره...تزول المحنة ويبقى هذا اليوم يوما مشهودا لأنه يوما بكى فيه أبينيران الإنتظار تشتعل في قلبي وقلب أبي، نترقب مرور<br>الدقائق أمام غرفة العمليات في الطابق الثالث، لا يهمنا وهن الأرجل ووجل<br>النفوس، نتلهف لصوت عطوف يروي ظمأ النبضات وخبر عاجل يطفئ فزع النظرات.<br><br><br> لحظات صعبة تمرّ برتابة قاتلة، ثواني حرجة تتسارع بكثرة<br>الداخلين والخارجين لجناح العمليات، أفكارنا مشدودة نحو رأس أمي الممدد<br>بعيدا بين مشارط الجراحين، لم يقطع هذه الأفكار عدا اتصالات أختي "<br>غالية"، البعيدة عنا بجسدها الالآف الأميال ...الحاضرة معنا بقلبها في هذه<br>اللحظات.<br><br><br><br><br><br>تتلبد السماء بالغيوم، غمغمات الرعد تداعب زفراتي، أسرق نظرة<br>خاطفة عبر النافذة وأنا أسأل نفسي: ماذا يجري هناك برأس أمي الطاهر؟،<br>تتنامى في داخلي الظنون، تحثني على اقتحام المكان لأخوض معها هذه الرحلة،<br>لكن هيبة المكان تقيدني، كم أبهرتني شجاعة " أمي " وصرامة موقفها؟ ..لازلت<br>أتذكر ابتسامتها الدائمة التي أحيت نبضاتي ونحن في طريقنا لغرفة العمليات.<br><br><br><br><br>يتسلل الهدوء إلى المكان، قلوبنا ترتعد، تصارع الهواجس في<br>ظلمات الغربة، تصطدم بوحشة الوحدة بين جنبات المستشفى الامريكي وسط "<br>بانكوك"، تنبعث من ممراته الواسعة أدخنة الوجع ونيران اللهفة لترسم بخاطري<br>جملة أفكار مشتتة:<br><br><br><br><br>لماذا كل هذه المخاطرة؟ لماذا قطعنا كل هذه المسافات؟ لماذا<br>نحن هاهنا؟ أهو الأمان المفقود في مستشفياتنا؟ وما الذي قذف بنا نحو الطرق<br>الموحشة؟ هل هي الثقة التي نزعت من نفوسنا بعدما أجهدنا التعب ونحن نبحث<br>عن علاج؟ أم إن اقوال من انحلت عللهم هي من قادتنا إلى صقيع الغربة؟<br><br><br><br><br>يتوقف شرودي الطويل، أهرب قليلا من صراع الأفكار وحرب<br>الهواجس، أتلمس وجهي الممتلئ بالشعر، وأحك عيني التي تشتاق للنوم وهي تئن<br>تحت وطأة الحيرة، أشيح ببصري بعيدا، قطرات المطر تتساقط بغزارة على الزجاج<br>المقابل للممر، كأنها تشاركني عمق الجراحات ..كأنها تطفئ لهيب الآلام،<br>ليتفائل قلب أبي ويلهج لسانه بالدعاء وسط المكان الذي يعج بتماثيل بوذا.<br><br><br><br><br>تتلاطم صور متنافرة في ذاكرتي، يختل توازني، أتوق لحـضن أمي،<br>أتمنى قرض الباب بأسناني حتى أدنو من رأسها فأمسح العرق الساقط من جبينها،<br>يخفت ويعلو أنين أطفالها الأربعة..هناك بعيدا في مسقط، ينتظرونها بفارغ<br>الصبر، ها هي روائح الصمت تنتشر بين جدران الغرف، تشدني خطوات أبي التي<br>كانت تجوب الممر، لماذا توقفت فجأة؟ أين تمتماته؟ أين توسلاته بالله<br>...لقد هيجت أحشاء قلبي الراكدة.<br><br><br><br><br> أتأمل والدي... كهل في نهاية الخمسينات من عمره، أغوص في<br>أعماقه السحيقة، يتضخم شيئا في وجهه، أتحسس الألم بداخله، تختلط أحاسيس<br>قلبه وتتزاحم الذكريات في عقله، شريكة حياته في خطر وكأنه يعيش اللحظات<br>معها ثانية بثانية، تبوح شفتاه ببعض كلمات غير مفهومة، تسيل الدموع من<br>عينيه، يصعقني المشهد، وتضاجعني الجروح، يدك المطر الزجاج بقوة ..أرتعش من<br>وحشة البرد وقسوة المنظر، تدفعني دموعه للهروب سريعا من كآبة المكان حتى<br>لا ينكشف لي ضعفه القاتل.<br><br><br><br><br>تتزايد نبضات قلبي، يلتهم بكاء أبي شجاعتي، تتلعثم الحروف،<br>ويتصاعد فوران الدم في دماغي..أخطو خطواتي بدون انتباه، أبحث عن مكان يأوي<br>هروبي، أريد اخفاء وجعي، لعلي أعصر قهري ..لعلي أغسل همي، مشيتي تتخللها<br>ذكريات جميلة، لأجد نفسي بعد دقائق عدة أركن إلى كرسي قصي في أحد الزوايا<br>البعيدة في حديقة المستشفى.<br><br><br><br><br>أغمض عيناي، وأنكفأ على نفسي، لتمر صور أمي على ذاكرتي<br>البعيدة، تنساب دموعي، أتساءل: كيف سأعيش في بيتا لن تكوني فيه؟ كيف<br>سأتنفس هواء الحياة بدونك؟ من للصغار بعدك؟<br><br><br><br><br>أرفع رأسي بعدما سافرت في ظلمة أوجاعي، أتأمل المكان الغريب،<br>أنظر إلى النوافذ البعيدة والطوابق العليا، تهاجمني الأفكار من جديد، هل<br>اقتلع الجراحين الأفعى الساكنة في دماغ أمي؟ وما هذا الماء الذي تغرق به<br>دشداشتي؟<br><br><br><br><br>يداي ترتعشان، أزيح جبال الهموم من كاهلي، أهرول ...أركض،<br>أنادي: أمي...أبي، أتخبط في مشتي، كأني أتوسل العطف، وجوه الناس تتصفح<br>يأسي، اجتاز الأماكن والصور والملامح لأصطدم أخيرا بوجه ابي ورطوبة دموعه<br>التي لم تجف، يفضحني الخجل من دموعه ليبادرني بسؤال حزين: أين أنت؟ لماذا<br>تركتني وحيدا؟<br><br><br><br><br><br><br>تراودنا أحاسيس مختلطة، يطول الصمت، في اثناء ذلك يخفق قلبي<br>لرؤية الجراح وهو يخرج من الباب، ترتسم ابتسامة على وجهه لتبشرنا بنجاح<br>العملية، أتأمل صورة الورم الملونة، هالة من الأمان تلفني وتلف أبي..تنتعش<br>الأحاسيس، وتنتشر بذور الحياة في كامل عروقي، أرفع يداي إلى السماء<br>مبتهلا: شكرا يا الله، تنفرج أسارير وجه أبي بعدما خطف الخوف<br>تفكيره...تزول المحنة ويبقى هذا اليوم يوما مشهودا لأنه يوما بكى فيه أبينيران الإنتظار تشتعل في قلبي وقلب أبي، نترقب مرور<br>الدقائق أمام غرفة العمليات في الطابق الثالث، لا يهمنا وهن الأرجل ووجل<br>النفوس، نتلهف لصوت عطوف يروي ظمأ النبضات وخبر عاجل يطفئ فزع النظرات.<br><br><br> لحظات صعبة تمرّ برتابة قاتلة، ثواني حرجة تتسارع بكثرة<br>الداخلين والخارجين لجناح العمليات، أفكارنا مشدودة نحو رأس أمي الممدد<br>بعيدا بين مشارط الجراحين، لم يقطع هذه الأفكار عدا اتصالات أختي "<br>غالية"، البعيدة عنا بجسدها الالآف الأميال ...الحاضرة معنا بقلبها في هذه<br>اللحظات.<br><br><br><br><br><br>تتلبد السماء بالغيوم، غمغمات الرعد تداعب زفراتي، أسرق نظرة<br>خاطفة عبر النافذة وأنا أسأل نفسي: ماذا يجري هناك برأس أمي الطاهر؟،<br>تتنامى في داخلي الظنون، تحثني على اقتحام المكان لأخوض معها هذه الرحلة،<br>لكن هيبة المكان تقيدني، كم أبهرتني شجاعة " أمي " وصرامة موقفها؟ ..لازلت<br>أتذكر ابتسامتها الدائمة التي أحيت نبضاتي ونحن في طريقنا لغرفة العمليات.<br><br><br><br><br>يتسلل الهدوء إلى المكان، قلوبنا ترتعد، تصارع الهواجس في<br>ظلمات الغربة، تصطدم بوحشة الوحدة بين جنبات المستشفى الامريكي وسط "<br>بانكوك"، تنبعث من ممراته الواسعة أدخنة الوجع ونيران اللهفة لترسم بخاطري<br>جملة أفكار مشتتة:<br><br><br><br><br>لماذا كل هذه المخاطرة؟ لماذا قطعنا كل هذه المسافات؟ لماذا<br>نحن هاهنا؟ أهو الأمان المفقود في مستشفياتنا؟ وما الذي قذف بنا نحو الطرق<br>الموحشة؟ هل هي الثقة التي نزعت من نفوسنا بعدما أجهدنا التعب ونحن نبحث<br>عن علاج؟ أم إن اقوال من انحلت عللهم هي من قادتنا إلى صقيع الغربة؟<br><br><br><br><br>يتوقف شرودي الطويل، أهرب قليلا من صراع الأفكار وحرب<br>الهواجس، أتلمس وجهي الممتلئ بالشعر، وأحك عيني التي تشتاق للنوم وهي تئن<br>تحت وطأة الحيرة، أشيح ببصري بعيدا، قطرات المطر تتساقط بغزارة على الزجاج<br>المقابل للممر، كأنها تشاركني عمق الجراحات ..كأنها تطفئ لهيب الآلام،<br>ليتفائل قلب أبي ويلهج لسانه بالدعاء وسط المكان الذي يعج بتماثيل بوذا.<br><br><br><br><br>تتلاطم صور متنافرة في ذاكرتي، يختل توازني، أتوق لحـضن أمي،<br>أتمنى قرض الباب بأسناني حتى أدنو من رأسها فأمسح العرق الساقط من جبينها،<br>يخفت ويعلو أنين أطفالها الأربعة..هناك بعيدا في مسقط، ينتظرونها بفارغ<br>الصبر، ها هي روائح الصمت تنتشر بين جدران الغرف، تشدني خطوات أبي التي<br>كانت تجوب الممر، لماذا توقفت فجأة؟ أين تمتماته؟ أين توسلاته بالله<br>...لقد هيجت أحشاء قلبي الراكدة.<br><br><br><br><br> أتأمل والدي... كهل في نهاية الخمسينات من عمره، أغوص في<br>أعماقه السحيقة، يتضخم شيئا في وجهه، أتحسس الألم بداخله، تختلط أحاسيس<br>قلبه وتتزاحم الذكريات في عقله، شريكة حياته في خطر وكأنه يعيش اللحظات<br>معها ثانية بثانية، تبوح شفتاه ببعض كلمات غير مفهومة، تسيل الدموع من<br>عينيه، يصعقني المشهد، وتضاجعني الجروح، يدك المطر الزجاج بقوة ..أرتعش من<br>وحشة البرد وقسوة المنظر، تدفعني دموعه للهروب سريعا من كآبة المكان حتى<br>لا ينكشف لي ضعفه القاتل.<br><br><br><br><br>تتزايد نبضات قلبي، يلتهم بكاء أبي شجاعتي، تتلعثم الحروف،<br>ويتصاعد فوران الدم في دماغي..أخطو خطواتي بدون انتباه، أبحث عن مكان يأوي<br>هروبي، أريد اخفاء وجعي، لعلي أعصر قهري ..لعلي أغسل همي، مشيتي تتخللها<br>ذكريات جميلة، لأجد نفسي بعد دقائق عدة أركن إلى كرسي قصي في أحد الزوايا<br>البعيدة في حديقة المستشفى.<br><br><br><br><br>أغمض عيناي، وأنكفأ على نفسي، لتمر صور أمي على ذاكرتي<br>البعيدة، تنساب دموعي، أتساءل: كيف سأعيش في بيتا لن تكوني فيه؟ كيف<br>سأتنفس هواء الحياة بدونك؟ من للصغار بعدك؟<br><br><br><br><br>أرفع رأسي بعدما سافرت في ظلمة أوجاعي، أتأمل المكان الغريب،<br>أنظر إلى النوافذ البعيدة والطوابق العليا، تهاجمني الأفكار من جديد، هل<br>اقتلع الجراحين الأفعى الساكنة في دماغ أمي؟ وما هذا الماء الذي تغرق به<br>دشداشتي؟<br><br><br><br><br>يداي ترتعشان، أزيح جبال الهموم من كاهلي، أهرول ...أركض،<br>أنادي: أمي...أبي، أتخبط في مشتي، كأني أتوسل العطف، وجوه الناس تتصفح<br>يأسي، اجتاز الأماكن والصور والملامح لأصطدم أخيرا بوجه ابي ورطوبة دموعه<br>التي لم تجف، يفضحني الخجل من دموعه ليبادرني بسؤال حزين: أين أنت؟ لماذا<br>تركتني وحيدا؟<br><br><br><br><br><br><br>تراودنا أحاسيس مختلطة، يطول الصمت، في اثناء ذلك يخفق قلبي<br>لرؤية الجراح وهو يخرج من الباب، ترتسم ابتسامة على وجهه لتبشرنا بنجاح<br>العملية، أتأمل صورة الورم الملونة، هالة من الأمان تلفني وتلف أبي..تنتعش<br>الأحاسيس، وتنتشر بذور الحياة في كامل عروقي، أرفع يداي إلى السماء<br>مبتهلا: شكرا يا الله، تنفرج أسارير وجه أبي بعدما خطف الخوف<br>تفكيره...تزول المحنة ويبقى هذا اليوم يوما مشهودا لأنه يوما بكى فيه أبي[/.نيران الإنتظار تشتعل في قلبي وقلب أبي، نترقب مرور<br>الدقائق أمام غرفة العمليات في الطابق الثالث، لا يهمنا وهن الأرجل ووجل<br>النفوس، نتلهف لصوت عطوف يروي ظمأ النبضات وخبر عاجل يطفئ فزع النظرات.<br><br><br> لحظات صعبة تمرّ برتابة قاتلة، ثواني حرجة تتسارع بكثرة<br>الداخلين والخارجين لجناح العمليات، أفكارنا مشدودة نحو رأس أمي الممدد<br>بعيدا بين مشارط الجراحين، لم يقطع هذه الأفكار عدا اتصالات أختي "<br>غالية"، البعيدة عنا بجسدها الالآف الأميال ...الحاضرة معنا بقلبها في هذه<br>اللحظات.<br><br><br><br><br><br>تتلبد السماء بالغيوم، غمغمات الرعد تداعب زفراتي، أسرق نظرة<br>خاطفة عبر النافذة وأنا أسأل نفسي: ماذا يجري هناك برأس أمي الطاهر؟،<br>تتنامى في داخلي الظنون، تحثني على اقتحام المكان لأخوض معها هذه الرحلة،<br>لكن هيبة المكان تقيدني، كم أبهرتني شجاعة " أمي " وصرامة موقفها؟ ..لازلت<br>أتذكر ابتسامتها الدائمة التي أحيت نبضاتي ونحن في طريقنا لغرفة العمليات.<br><br><br><br><br>يتسلل الهدوء إلى المكان، قلوبنا ترتعد، تصارع الهواجس في<br>ظلمات الغربة، تصطدم بوحشة الوحدة بين جنبات المستشفى الامريكي وسط "<br>بانكوك"، تنبعث من ممراته الواسعة أدخنة الوجع ونيران اللهفة لترسم بخاطري<br>جملة أفكار مشتتة:<br><br><br><br><br>لماذا كل هذه المخاطرة؟ لماذا قطعنا كل هذه المسافات؟ لماذا<br>نحن هاهنا؟ أهو الأمان المفقود في مستشفياتنا؟ وما الذي قذف بنا نحو الطرق<br>الموحشة؟ هل هي الثقة التي نزعت من نفوسنا بعدما أجهدنا التعب ونحن نبحث<br>عن علاج؟ أم إن اقوال من انحلت عللهم هي من قادتنا إلى صقيع الغربة؟<br><br><br><br><br>يتوقف شرودي الطويل، أهرب قليلا من صراع الأفكار وحرب<br>الهواجس، أتلمس وجهي الممتلئ بالشعر، وأحك عيني التي تشتاق للنوم وهي تئن<br>تحت وطأة الحيرة، أشيح ببصري بعيدا، قطرات المطر تتساقط بغزارة على الزجاج<br>المقابل للممر، كأنها تشاركني عمق الجراحات ..كأنها تطفئ لهيب الآلام،<br>ليتفائل قلب أبي ويلهج لسانه بالدعاء وسط المكان الذي يعج بتماثيل بوذا.<br><br><br><br><br>تتلاطم صور متنافرة في ذاكرتي، يختل توازني، أتوق لحـضن أمي،<br>أتمنى قرض الباب بأسناني حتى أدنو من رأسها فأمسح العرق الساقط من جبينها،<br>يخفت ويعلو أنين أطفالها الأربعة..هناك بعيدا في مسقط، ينتظرونها بفارغ<br>الصبر، ها هي روائح الصمت تنتشر بين جدران الغرف، تشدني خطوات أبي التي<br>كانت تجوب الممر، لماذا توقفت فجأة؟ أين تمتماته؟ أين توسلاته بالله<br>...لقد هيجت أحشاء قلبي الراكدة.<br><br><br><br><br> أتأمل والدي... كهل في نهاية الخمسينات من عمره، أغوص في<br>أعماقه السحيقة، يتضخم شيئا في وجهه، أتحسس الألم بداخله، تختلط أحاسيس<br>قلبه وتتزاحم الذكريات في عقله، شريكة حياته في خطر وكأنه يعيش اللحظات<br>معها ثانية بثانية، تبوح شفتاه ببعض كلمات غير مفهومة، تسيل الدموع من<br>عينيه، يصعقني المشهد، وتضاجعني الجروح، يدك المطر الزجاج بقوة ..أرتعش من<br>وحشة البرد وقسوة المنظر، تدفعني دموعه للهروب سريعا من كآبة المكان حتى<br>لا ينكشف لي ضعفه القاتل.<br><br><br><br><br>تتزايد نبضات قلبي، يلتهم بكاء أبي شجاعتي، تتلعثم الحروف،<br>ويتصاعد فوران الدم في دماغي..أخطو خطواتي بدون انتباه، أبحث عن مكان يأوي<br>هروبي، أريد اخفاء وجعي، لعلي أعصر قهري ..لعلي أغسل همي، مشيتي تتخللها<br>ذكريات جميلة، لأجد نفسي بعد دقائق عدة أركن إلى كرسي قصي في أحد الزوايا<br>البعيدة في حديقة المستشفى.<br><br><br><br><br>أغمض عيناي، وأنكفأ على نفسي، لتمر صور أمي على ذاكرتي<br>البعيدة، تنساب دموعي، أتساءل: كيف سأعيش في بيتا لن تكوني فيه؟ كيف<br>سأتنفس هواء الحياة بدونك؟ من للصغار بعدك؟<br><br><br><br><br>أرفع رأسي بعدما سافرت في ظلمة أوجاعي، أتأمل المكان الغريب،<br>أنظر إلى النوافذ البعيدة والطوابق العليا، تهاجمني الأفكار من جديد، هل<br>اقتلع الجراحين الأفعى الساكنة في دماغ أمي؟ وما هذا الماء الذي تغرق به<br>دشداشتي؟<br><br><br><br><br>يداي ترتعشان، أزيح جبال الهموم من كاهلي، أهرول ...أركض،<br>أنادي: أمي...أبي، أتخبط في مشتي، كأني أتوسل العطف، وجوه الناس تتصفح<br>يأسي، اجتاز الأماكن والصور والملامح لأصطدم أخيرا بوجه ابي ورطوبة دموعه<br>التي لم تجف، يفضحني الخجل من دموعه ليبادرني بسؤال حزين: أين أنت؟ لماذا<br>تركتني وحيدا؟<br><br><br><br><br><br><br>تراودنا أحاسيس مختلطة، يطول الصمت، في اثناء ذلك يخفق قلبي<br>لرؤية الجراح وهو يخرج من الباب، ترتسم ابتسامة على وجهه لتبشرنا بنجاح<br>العملية، أتأمل صورة الورم الملونة، هالة من الأمان تلفني وتلف أبي..تنتعش<br>الأحاسيس، وتنتشر بذور الحياة في كامل عروقي، أرفع يداي إلى السماء<br>مبتهلا: شكرا يا الله، تنفرج أسارير وجه أبي بعدما خطف الخوف<br>تفكيره...تزول المحنة ويبقى هذا اليوم يوما مشهودا لأنه يوما بكى فيه أبي.