بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الشيخ فى طلب العلم :
الأربعون النووية أحاديث جمعها النووى رحمه الله ، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين ، وقد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه ، أو هو نصف الإسلام ، أو ثلثه أو نحو ذلك كما ذكر النووى فى مقدمته ، والتزم رحمه الله أن تكون الأحاديث صحيحة ، ومعظمها فى صحيحى البخارى ومسلم ، وقد ذكرها رحمه الله محذوفة الأسانيد ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها ، وقد شرح هذه الأحاديث شراح كثيرون وربت شروحها على العشرين شرحا ، ومن أشهرها شرح الحافظ بن رجب رحمه الله ، المسمى جامع العلوم والحكم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " ، وسلوك الطريق للعلم ينقسم إلى قسمين : سلوك طريق حسىّ كأن يأتى الإنسان من بيته إلى المسجد ، والثانى : معنوىّ ، كأن يطالع فى الكنب ويذاكر مع العلماء ، وكلا الأمرين يترتب عليه هذا الثواب .
إن طلب العلم الشرعىّ ليس لمجرد العلم بحكم الله تعالى وحكم رسوله ؛ لأن هذا يحصل من المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، ولذلك ترى الكفار الذين درسوا الفقه الإسلامىّ عندهم من علم الفقه ما ليس عند كثير من المسلمين . المقصود من العلم العمل ، وكل علم لا ينتج عملا فهو وبال على صاحبه ؛ لأن هذا الذى تعلم ولم يعمل من أول وأولى أهل النار بالعقوبة والعياذ بالله كما قال الناظم :
وعالم بعلمه لم يعملن معذب من قبل عباد الوثن
فالعلم سلاح إما لك أو عليك .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " القرآن حجة لك أو عليك " ، وليس فيه قسمة ثالثة لا لك ولا عليك . إن عملت به فى حق الله تعالى ما بينك وبين الله من عبادة ، إن عملت به فى حق الله تعالى ما بينك وبين الناس من المعاملة والخلق وغير ذلك فأنت موفق والعلم حجة لك ، وإن كانت الأخرى فقد جانبك التوفيق وصار العلم وبالا عليك ..
إنه يجب على طالب العلم مراعاة ما يلى :
أولا : حسن النية فى طلب العلم
1- بأن يكون قصده بالطلب امتثال أمر الله ورجاء ثوابه .
هل أمر الله بالعلم ؟
أمر الله بالعلم فى أعظم الأشياء ، قال تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " ، وقال عز وجل : " قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ، وقال : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " ، وهذا حث على العلم ، فتنوى بطلب العلم امتثال أمر الله ..إذا نويت ذلك سيكون طلب العلم عبادة تتقرب بها إلى الله ، تقلب صفحات الكتاب ، فأنت فى عبادة ، كالذى يهندس مسدسه للجهاد ، وإذا كان العلم بهذه النية فلا يعدله شىء .
2- تنوى بطلب العلم رفع الجهل عن نفسك أولا وعن الناس ثانيا .
عن نفسك لأنك خلقت جاهلا : " والله خلقكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا " ، وأنت بنفسك ترى أنك كلما رجعت إلى كتاب الله زاد علمك ، العلم نور يستضاء به ، ولذلك تجد أكثر الناس انشراحا فى الصدر هم أهل العلم .
3- أن تنوى حفظ الشريعة ؛ لأن الشريعة محفوظة بالكتب المسطورة وكذلك بالقلوب ، وحفظ الشريعة كما يكون بتقييد المعلومات يكون كذلك بتطبيق المعلومات .
4- أن ينوى بذلك حماية الشريعة لا سيما فى زمن تكثر فيه الفتن ، حماية الشريعة غير حفظها ، حمايتها هى الدفاع عنها ورد كيد الكائدين ، وإبطال شبه المبطلين ؛ لأن الشريعة لا تحمى إلا بأصحابها ، كما أن الديار لا تحمى إلا بشجعانها . أرأيت لو أن رجلا مبتدعا قام فى مكتبة فيها من كل كتاب زوجان ، فيها العلوم الكثيرة ، وقام يتكلم بالبدعة ويؤكدها ويقررها وليس عنده إلا الكتب وطلاب علم مبتدئون يغترون بقوله ، هل يمكن لهذه الكتب السلفية أن تدافع ؟ لكن لو كان هناك طالب علم أمكن أن يدافع .
الشريعة الإسلامية مستهدفة منذ بزغ فجر نورها ، واليوم أشد لأن الدول المتحضرة وهى المتخلفة فى الواقع تخاف من الإسلام خوفا شديدا ، ولهذا يذكر عن بعض زعمائهم أنه قال لما فكك الله الاتحاد السوفييتى : الآن استرحنا من الشيوعية ، لكن بقى علينا العدو الأكبر وهو الإسلام ، ولذلك الآن تجدون حملتهم للنصارى واليهود ومساعدتهم ضد المسلمين ، وهم يبثون سمومهم فى الأمة الإسلامية من كل ناحية : تارة بالشبه وتارة بالأخلاق وتارة بالمعاملات الربوية والميسرية وما أشبه ذلك . الناس اليوم فى ضرورة لحماية الشريعة .
هذه أربعة أشياء يدور حولها الإخلاص فى طلب العلم .
قال الإمام أحمد رحمه الله : العلم لا يعدله شىء لمن صحت نيته ، قالوا : كيف يا أبا عبد الله ؟ قال ينوى رفع الجهل عن نفسه وعن غيره ، وهذا جزء من إخلاص النية .
ثانيا : أن يعمل بعلمه ؛ لأن هذا ثمرة العلم ، وهو الآن قد أمسك بالحجة إما له أو عليه ، فليعمل ، واعلم أنك إذا عملت بالعلم زدت إيمانا وزدت أجرا وقبولا عند الناس : " والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم "
زادهم هدى : أى علما ، وآتاهم تقواهم : أى عملا صالحا .
كلما عملت بالعلم فرحت بالمسألة تعرفها من كتاب الله وسنة نبيه ثم عملت بها ازددت علما ، وإيمانا وقبولا عند الناس وفكاكا من الإثم . اعمل بالعلم ، أرأيت الرجل يعرف أن الغيبة حرام و من كبائر الذنوب ، ولكنه يغتاب الناس ، هل انتفع بعلمه ؟
إذن علمه ضرر عليه .
إذا عملت بعلمك صرت موثوقا عند الناس ، وقبل الناس منك ، وعرفوا أن دعوتك صحيحة ، وأنك تفعل ما تقول ، وهذا شىء مشاهد : لو أن رجلا حذر الناس من إسبال الثوب ، وهو مسبل ثوبه ، جاء بالأدلة والنصوص الواضحة البينة ، وقبل الناس نصوصه ، لكن هل قبولهم لها كقبولهم إياها من قبل رجل مستقيم ؟
التطبيق العملىّ أقوى من القول باللسان .
فى حجة الوداع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدى من صحابته أن يجعل حجه عمرة ، أو قرانه عمرة ، فراجعوه فى ذلك ، حتى قالوا قولا يستحيى من ذكره ، فلما رآهم لم تطب نفوسهم ، قال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ولأحللت معكم .
ويذكر أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما حاصر التتار دمشق وكان فى رمضان قال للجنود : أفطروا أقوى لكم ، فتردد بعض الناس ، وسألوا بعض العلماء ، فقالوا : لا تفطروا ، لستم مرضى ولا على سفر ، فأخذ ابن تيمية خبزة وجعل يمر بين صفوف المقاتلين ويأكلها ، كل ذلك من أجل أن يطمئنهم إلى جواز الإفطار ، وما قاله صحيح ؛ لأن فيه دليل ، فإن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى غزوة الفتح وكانت فى رمضان أمرهم أن يفطروا ، منهم من أفطر ومنهم من لم يفطر ، فلما قربوا إلى مكة قال : " إنكم ملاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم فأفطروا " ، فجعل السبب : التقوّى على القتال .
المهم أنكم إذا عملتم بعلمكم صار ذلك أقوى قبولا لقولكم وأشد طمأنينة لقبوله .