لقد تناول كتاب اليونان أمثال "أفلاطون" والرومان، أمثال "بلوتارك" مسألة المتعة المحظورة (اللواط والسحاق) دون حرج. وحديثاً، حاول "ميشيل فوكو" في "تاريخ الجنسانية" التعريف بذلك وتحليل ومناقشة حقيقة اللواط الذكوري، في منتهى الصراحة والدقة. ولعل الذي يتمعن في الصفحات الطويلة التي كتبها "الجاحظ" وكذلك "التعالبي" والراغب الأصبهاني و"ابن أبي حجلة" و"داود الانطاكي" والفقهاء الثلاثة الكبار "النفراوي والتيفاشي والتيجاني"... الخ في إطار ثقافة عربية-إسلامية واعية لأهدافها، يكاد يصاب بالذهول، حيث يصطدم بالجرأة غير المألوفة اليوم، لدى أولئك الذين بحثوا في هذين الموضوعين وصفاً، وأمثلة ومقارنة أنواع، ودشنوا لتاريخ، مختلف، ضمن إطار أدبيات اللوط والسحاق في التاريخ العربي-الإسلامي، هذا التاريخ الذي يشكل في حقيقة تاريخاً منسياً، أو مدرجاً في إطار (سفاسف الأمور)، ولا توجد دراسة تتناوله بالتحليل والمناقشة وما هو موجود، تغلب عليه الصفة الكفاحية والافتخارية، ومن خلال حالتي الإثبات أو النفي للواط والسحاق، وخصوصاً على صعيد المعنى في دلالته الدينية، وكما فسر من قبل فقهاء العرب-المسلمين وسواهم وهذا الإجراء غير علمي على الإطلاق، فاللواط مثلاً موجود، من خلال وثائقه ووقائعه، وسير شخصياته، وهو واقعة تاريخية جرت، وحورت، ومن ثم نمت، وتنوعت، ورصد لها أدبياً وفكرياً، ولو بشكل وضعي.
وما يقوم به المؤلف "إبراهيم محمود" في هذا الكتاب هو اختراق الحجب والعوالم التي منع الاقتراب منها أو الدخول إليها لأكثر من رادع أخلاقي، والبحث في التاريخ العربي الإسلامي عن حقيقة كل من اللواط والسحاق، وتحليل مكنوناتهما والتنقيب في أرضيتهما، والإمكانات التي وضعت لهما. وذلك كله بقصد مقاربة آلية العمل فيهما فكرياً، في التاريخ العربي-الإسلامي.