احترت كثيراً في التسمية.. صناعة الأشباه.. أم حرفة الأنصاف.. أم قتل الإبداع.. أو قولبة الإنفعال..
كلها
اتهامات أراها يجب أن توجه للرواية العربية.. يحاكم فيها أولاً الناقد
العربي السطحي الأكاديمي معدوم الذوق.. والقارئ العربي المتقعر..
المتفيهق.. الذي يعدو هاتفاً وراء كل ناعق..
ويحاكم
فيها الأشباه وأنصاف الرجال.. يحاكم فيها خائنو الإبداع من الكتاب العرب
الذين انصاعوا لطلبات النقاد.. ومتطلبات دور النشر.. والرواج بين جماهير
لا يزال أمامها دهور ودهور للنضج.. وحسن الإنتقاء..
يعلو
نداء المدرسة التعبيرية.. فنعدو وراء الكتابة التعبيرية الحرة.. نجد في
البنيوية اشباعاً للرغبات العربية التقعيرية.. فنعدو وراء التفكيك..
والتأويل.. وأدعياء النسق..
لا أعلم من أين ابدأ .. فلا باع كبير لي في النقد أو الكتابة الروائية.. ولكن يعني هي جت علي.. ولا هي الكحكة في ايد اليتيم عجبة..
قال
لي صديق قريب ..وهو شاعر موهوب.. أنه يري أن الرواية .. صنعة وحرفة.. لا
تدخل في نطاق الفن علي الإطلاق.. يقوم فيها الكاتب بعمل كشكول لكل شخصية
.. ويرسم المناظر.. ويزور المناطق.. ثم يبدأ في التبييض..
ويقول
إن أكبر روائي عربي.. وهو محفوظ رحمه الله.. لم يكن يتعدي عمله هذا
الأمر.. ويري صديقي أن الرواية إذا سلمنا بأنها فن.. فهي علي عكس الشعر
تقبل أنصاف الموهوبين.. والأكاديميين .. اي تقبل رجلاً فارغاً من
الموهبة.. يكتسب الحرفة من كتب أصول الفن الروائي النقدية. أو من كثرة
القراءة الروائية..
ولقد هزني حديثه كثيراً.. فأنا رجل واقعي.. أقدس الواقع.. وما يقوله.. حقيقة للوضع العربي الروائي..
فإذا
أغفلنا الرواج الجماهيري (الذي يصفق للكتابات المسطحة السهلة مثل كتابات
ليوسف السباعي وعبد القدوس الصالحة للصياغة السينمائية ومصمصة الشفاه وراء
الحدث).. نجد أن الرواية العربية.. حتي في أوج إزدهار تيار الوعي .. لم
تتجاوز هذا التقولب في الإهتمام برسم الشخصية.. ورسم المنظر والمشهد
والنمطية في التسلسل الزمني الروائي..
بل إن محاولات التمرد علي الأنماط.. لم تأتي إلا بأنماط جديدة.. أو قلدت التمردات الغربية بحذافيرها..
إن الرواية.. كالشعر.. فن أدبي.. في ظني لا يعتمد علي الحدث.. أو الزمن.. أو الوصف.. أو رسم الشخصية..
من
قال إن أساس موهبة الرواية هي القدرة السردية.. وأن الرواية هي فن السرد..
أو فن الوصف.. إنما هي أبعاد.. أو اسميها أغراض روائية مثلها مثل الشعر
(وصف وغزل ورثاء……..وغيرها)
مشكلتنا أننا قد توقفنا عند الوسائل ولم نتعدها إلي الغايات..
إن الحدث والزمن والحبكة والعقدة.. والشخصية.. كلها وسائل تعبيرية.. لرسم الصورة الإنفعالية.. الإنفعال.. أو الجدل (الديالكتيك) مع الواقع.. أيا كان.. الفن..
الصورة الشعرية والإستعارة في الشعر تحاول
الخروج من قيود اللغة وسجنها وعجزها عن التعبير الإنفعالي المطابق .. إلي
محاولة خلق وإعادة تشكيل.. وفتح قنوات لغوية وتواصلية غير موجود في اللغة
التواصلية العادية..
وهكذا مقومات الرواية..
الرواية هي استخدام كل ما يستخدمه الشعر .. مضافاً إليه ما أردنا من مقومات السرد.. والغاية الفن.. التعبير.. الجدل مع الواقع..
وطالما نقبت عن رواية تفعل بي هذا.. ولا يزال عندي حلم :
الرواية هي نقل الحدث الداخلي الناتج عن الخارجي.. التعامل مع اللغة أولاً وأخيراً لمحاصرة الحدث الداخلي.. أي ما يحدث داخل النفس نتاجاً للأحداث الروائية الخارجية.
قيمة
الوصف الروائي.. تتحدد بمدي ما يثيره في الأنفس.. أنفس الشخصيات
الروائية.. وعدواها إلي نفس القارئ.. لا الوصف للرسم.. أو النقل .. أو
المحاكاة.. أو استعراض القدرات التفصيلية الصغيرة..
الزمن
الروائي.. قيمته ليست في مصداقيته التاريخية ولا صحته التتابعية.. وإنما
في جدله مع الأبدية الداخلية داخل نفوس لم تزل تراه لغزاً..
التحرر من المصداقية التاريخية.. وتراتبية الماضي والحاضر والمستقبل..
الشخصية
الروائية.. لا يعني برسم الملمح الخارجي قدر ما يجب العناء بنقل
الإنفعال في الأغوار السحيقة.. وجدلها مع ضمير الحكي.. ومع السارد
والقارئ..
ودون أن يساء فهم كلامي بأنها محاولة للتزيين والزخرفة اللفظية..
لإخراج أقصوصات شعرية طويلة..
وإنما
هي محاولات للفن.. للإبداع الذي ينأي عن القولبة.. ويتجاوز أشكاله
الذاتية.. ويتجادل مع نفسه.. محاولاً خلق أطر جديدة لفعل الإبداع..
للأسف قبل كل هذا يجب التحرر من السوق.. والجمهور.. والرواج.. ودور النشر..
لم تخلد دون كيخوت لحدثها أو زمنها.. ولكن لأنها عرت جانباً منك ومني.. أمامك وأمامي..
لأنها فقط كانت بشرية للغاية..
لا شيء كامل في الرواية من مقومات السرد.. لأن لا شيء كامل خارجها من مقومات الحياة